هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصوردخولالتسجيل
بسم الله الرحمن الرحيم " قل هذه سبيــلى أدعــو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله وما أنا من المشركين " صدق الله العظيم

 

 حول " الخطابة و مشكلة الرتابة "

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
مدير الموقع
مدير الموقع
مدير الموقع
مدير الموقع


عدد المساهمات : 110
تاريخ التسجيل : 16/07/2009
العمر : 34
الموقع : مدير الموقع

حول " الخطابة و مشكلة الرتابة " Empty
مُساهمةموضوع: حول " الخطابة و مشكلة الرتابة "   حول " الخطابة و مشكلة الرتابة " Emptyالخميس 01 أبريل 2010, 12:31 am

حول " الخطابة و مشكلة الرتابة"
منقول من موقع "المنبر"

-------------------------------

يسرّ موقع المنبر أن يطرحَ هذه المجموعةَ من الأسئلة المتعلّقة بقضية
"الخطابة ومشكلة الرتابة"
على فضيلة الشيخ يحيى بن بدر الدين صاري إمام وخطيب جامع الأبرار بالجزائر

-------------------------------

المنبر:فضيلة الشيخ، قضيّةٌ من أبرز القضايا التي تؤِّرق الخطباء، ألا وهي قضيّة اختيار الموضوع، فما أسباب احتيار كثير من فرسان المنابر في اختيار موضوع خطبتهم؟

الشيخ: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أولاً أشكركم على حسن ظنكم بي واستضافتكم لي في هذا الموقع الهامّ الذي يعتبَر من المواقع الرساليّة التي تركت آثارًا طيّبة في ساحة الإعلام الإسلاميّ الهادف، وأصبح هذا الموقع المنبَعَ الذي يرتوي منه الأئمّةُ والخطباء، والمرجعَ الذي يتزوّد منه الدعاة في العالم الإسلامي، فجزاكم الله خيرًا وبارك في جهودكم وأعمالكم. وأهتبل هذه الفرصةَ لأناشد أهلَ الغَيرة على الإسلام أن يدعَموا هذه المشاريع العظيمة ويمدّوا للقائمين عليها يدَ العونِ، وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه)) هذا في الذي يعين أخًا له في الله، فكيف بالذي يعين إخوانًا له من الأئمّة والدعاة ينتفع بخطبِهم ودروسهم الملايين من المسلمين في العالم.
أما بخصوص الأسئلةِ التي توجّهتم بها فهي من الوسائل المهمّة لمعالجة المظاهر السلبيّة والأخطاء المنتشِرة بين الخطباء، فالمنبر من أهمّ وسائل الدعوة إلى الله، وخطبة الجمعة هي الشحنة القوية التي تُمِدُّ المسلمَ كلَّ أسبوع بطاقة إيمانيّة تغيِّر سلوكه وتجعله يُراجع أخطاءَه، وتكون الخطبة كالمرآة التي يرى المسلم من خلالها عيوبَه وتبصِّره بواجباته وتُذكّره بدينه وتصحِّح له التصوّرات الخاطئة وتزيل عن عقله الشبهات وتحذِّره منِ اتباع الشهوات، ويرسم الخطيب للمستمع خِطّة التّغيير والإصلاح واضحةَ المعالم جليَّةَ الصّورة لا كدرَ فيها ولا خلَل، ويتدرّج به نحو الخير والهدى والاستقامة كما يتدرَّج الوالدان بابنهما الصغير في تربيتِه، وهذا الذي عبّر عنه حبر الأمة عبد الله بن عباس حيث قال في قول الله تعالى: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران: 79]، قال رضي الله عنه : (الرباني هو الذي يبدأ في تعليم الناس بصغار المسائل قبل كبارها) كما في صحيح البخاري.
وإنني من خلال هذا الموقع أذكّر إخواني الخطباءَ بأمانةِ الكلمة وعِظَم المسؤوليّة، وعليهم أن يدركوا أن موقعَهم ومنصبَهم خطير، وأنهم على ثغرٍ مِن ثغور الإسلام، فعليهم باليقظة والفِطنة ولا يتركوا هذا الثغر تَتسلّل إليه الأخطاء فتُهُدّه وتوهن قوتَه وتُضعف تأثيره وتسقط هيبَتَه.
على الخطباء أن يعيدوا لمنبر الجمعةِ مكانته التي كان عليها في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وفي عهد السلف الصالح، وتالله لقد حنّ جذع لرسول الله وبكى لأنه تركه ولم يخطب عليه ولم تلمَسه قدماه الشريفتان، فكيف لا تحنّ القلوب لخطَبِه وقد لمست كلماتُه المؤثِّرة قلوبَ المسلمين وتركت آثارَها العميقة مكتوبةً بماء الذهب على صفحات الصدور والقلوب؟! فَلنُعد المنبر إلى مكانته أيها الخطباء وفقكم الله.
وأعود إلى الأسئلة فأقول: إن مشكلة الرَّتابة كما سمّيتموها هي نتيجةٌ طبيعيّة للحَيرة والاضطِراب الذي يصيب الخطيبَ في اختيار الموضوع، فتؤدّي به إلى الدّورَان في دائرة واحدةٍ، فيتناول عدّةَ موضوعات في السنة يدور معها؛ مثل المناسباتِ والكلام عن بعضِ المظاهر السلبية والتحذير من بعض الأخطاء والذنوب أو نحو ذلك، فتجد الخطيبَ على سبيل المثال أكثرُ خطبِه عن العُريِ والفسادِ الأخلاقيّ والغِيبة وحصاد الألسن والفُرقة والأخوَة وعلامات الساعة، وهذه المواضيع تتكرّر بشكل ملفِتٍ للنظر، فتصير بمثابةِ الوِرد للخطيب يكرِّره على مدى سنوات. ولستُ أقلِّل من أهمّيّة هذه المواضيع، ولكني أذكُر الخلَلَ في هذه الرّتابة حتى إنَ بعضَ الخطباء ربما يُعرَف ويشتَهر عند مستمعيه بمواضيع معيّنَة، وهذا في نظري خطأ.
وتَرجع حيرة الخطيب في اختيار الموضوع إلى عدّةِ أسباب:
1- ضيق الأفق عند الخطيب؛ حيث لا تكون عنده نظرة شاملة للواقِع، وأقصد بالنّظرة الشاملة أنّ الخطيبَ لا بد أن يعرف الأمراضَ المنتشرة في المجتمع معرفةً دقيقة غيرَ ناقصة ولا قاصرة، ثم يرتّبُ ويصنّف درجةَ الأمراض من حيث الخطورةُ على الدّين، وهذا ما يسمَّى بترتيب الأولويات، ولنا أصلٌ فيه وهو حديث معاذ بن جبل لما أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال له معلِّمًا ناصحًا مبيّنًا له خطّةَ الدعوة وانطلاقَتَها وواقعَ الناس الذين بعثه إليهم وحالهم فقال له: ((إنّك تأتي قومًا من أهل الكتاب، فليكن أوّل ما تدعوهم إليه أن يوحّدوا الله)). فانظر كيف بصّره بواقع هؤلاء الناس كي يتمكّن من دعوتهم وتعليمهم.
2- بعض الخطباء ينظر إلى بعضِ العيوب والذنوبِ المنتشِرة نظرةَ تهويلٍ وتضخيم، فيعطيها من الاهتمام كأنها المظاهِرُ السيّئة الوحيدة في المجتمع، وقد تكون بمثابَة فرعٍ لأصل فاسِد غاب عن نظرِ الخطيب، فترى الخطيبَ يقطع أنفاسَه في التحذير من ذلك الخطَأ أو الذنب ويجعله أهمَّ مواضيعه ينتهي منه ليعودَ إليه، وقد علَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن بعض الشرورِ منبعٌ لشرورٍ كثيرة فقال: ((الخمر أمُّ الخبائث))، فالشرك وفساد الاعتقاد سببُ كلِّ شرّ، والخمر أم الخبائث، وقد قسم العلماء الأخلاقَ إلى أصول وفروع، فالغضب والظلم والغلوّ والتنطّع هذه أصول الشرّ والفساد، والشبهات الخطيرة التي تُلقى في الساحة وتزرَع في عقول المسلمين فتسمِّم قلوبهم وتزعزِع عقيدتهم وتهدِم أخلاقهم وتميّع تديّنَهم وتُقوّي ارتباطَهم وتعلّقَهم بالبدَع والخرافات وتضعِف الوازع الدينيّ في نفوسهم وتهوّن الفسقَ والفجور عندهم، بل وتقلّل من تأثير الخطبة على المستمع ويحملها على أنها قناعاتُ الخطيب الخاصّة وليست من الدّين، هذه أصول الفساد ومنابع الشّرّ، فالذي يهتمّ بما ذكرتُ أنّه فروع الشّرّ والفساد مثلُه كمَثَل الذي يحذّر من ساقِيَة جارِيَةٍ لا يرَى فيها الناس خطرًا وهو غافلٌ عن السّدّ الكبير الذي انهدمَ.
3- مِن أسباب الحيرة في اختيار الموضوع قلّة علمِ الخطيب بالمنهج الشرعيّ في التغيير والإصلاح ومعالجة الأدواء، وأذكر على سبيل المثال: لمّا ذكر الله تعالى فاحشةَ الزنا وهي من الفواحش المنتشرة والعياذ بالله، لما ذكر الله هذه الفاحشة في سورة النور وبيّن العقوبة فيها حذّرنا الله من أسبابها وذرائعها، وأمرنا بأمور إذا أخَذَ بها المسلم فلن يقَع في هذه الفاحشة بإذن الله؛ كغضّ البصر والاستئذان ونهَى عن قذف المحصنات ونهى عن إشاعة أخبار الفسّاق وأهل المجون والقصص والأفلام وغير ذلك، فمن أراد أن يعالجَ هذا الدّاء فعليه بسلوكِ المنهج الشرعيّ وأن يربيَ الناس على ما ربّاهم عليه الشرع، فالخطيب الذي يكون مُلِمًّا بالمنهج الشرعي في الإصلاح لا يصاب بحيرةٍ في اختيار الموضوع والتدرّج بالمستمعين نحوَ الخير والهدى؛ لأنّ قائمة المواضيع مرتّبة بين عينيه من خلال ما ذُكر في الكتاب والسنّة من برنامج العِلاج لأيّ مشكلة وحلِّ أيِّ قضية. وهذا على سبيل المثال، ويا ليت الخطباءَ يهتمّون بهذا الجانب.
4- ومِن أسباب حيرة الخطيب في اختيار الموضوع عدَمُ التعاون مع الخطباء وعدَم التناصح وتبادُل الخبرات والتجارب واستنكاف كثيرٍ من الخطباء عن الاستفادةِ من غيرهم، والله تعالى أمرنا بالتعاون فقال: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، فتلاقُح الأفكار وتقريبُ الرؤى وطرحُ المشاكل والهموم المشتَرَكة بين الخطباء من أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى نجاح الخطيب وتأثيره بإذن الله.
5- ومن الأسباب في نظري عدمُ الاهتمام بملحوظات المستمِعين على اختلافِ طبقاتهم، فبعض الناس قد يوفّقه الله إلى استخراج عيوبِ الخطيب في اختيار الموضوعات، فيتكلم بالحكمة وينطق بالحق، وربما يُقابَل بالاستهانة والتحقير، ولهذا فإني أقترح على الخطباء أن ينظّموا بين فترة وأخرى استبيانًا لرواد المسجد يتعرّف من خلاله اقتراحَاتِهم لمواضيع الخطب.
6- عدم الاهتمام بالمطالعة والقراءة، فالخطيب ينبغي عليه أن يكون نهِمًا بالمطالعة، وبالخصوص المراجع الكبيرة كشروح الحديث وكتب التفسير وغيرها من الكتب النافعة القديمة والحديثة؛ لأنّ قلة الزاد العلمي وضعفَه سبب رئيس في حيرة الخطيب في اختيار الموضوع بل سوء الاختيار.
7- عدم الاهتمام بالخطبة، فالخطيب الذي لا يعطي للخطبةِ أهمّيّةً ولا يدرك لها دورًا ولا ينظر إليها على أنها مسؤوليّة وأمانة ثقيلة فإنّه لا يدري ما الذي ينبغي أن يقوله. إنَّ الخطيب الذي لا يشعر بموقعِه الخطير ومكانته الدعويّة ومسؤولياته لا يحسِن اختيارَ الموضوع ولا يعرف الهدَفَ الذي يرمي إليه، بل يجعل من خطبَةِ الجمعة عادَةً لا عِبادة ووظيفة لا رِسالة.

-------------------------------

المنبر: ما الحلولُ التي ترونها لمشكلة اختيار الموضوع لدى الخطباء؟

الشيخ: من الحلول ـ والله أعلم ـ إضافة إلى ما سبق أن نبهتُ إليه:
1- التعاون بين الخطباء وتبادل الآراء والأفكار والتناصح.
2- أن تقوم المؤسسات الدعوية أو الأئمة والدعاة بتدوين جُملةٍ من المواضيع المقتَرَحَة كلَّ شهر أو سنة أو حسبَ ما يقتضيه الحال وتوزيعها على الأئمة والخطباء.
3- تذكير الأئمة بعضِهم لبعض بالمواضيع الهامّة وفي المناسبات والوقائع والنوازل عن طريق وسائل الاتصال أو اللقاءات الدّوريّة، ولنا في قصّة موسى مع الخضِر العبرةُ في هذا الشأن؛ حيث أمر الله موسى عليه السلام بالسّفَر إلى الخضر والتعلّم والاستفادة منه، فمن منا مثل موسى عليه السلام؟!
4- عقد أيّام دراسيّة للخطباء لتطويرِ مهارات الخطابة والاطلاع على مشاكِلِهم العلميّة والنفسية والاجتماعيّة.
5- تأسيس مجلّة للخطباء تطرح فيها القضايا الخاصّة بهم، وإعداد البحوث التي تثرِي هذا الموضوع الحسّاس.
6- كثرة المطالعة والقراءة والاهتمام بالتحصيلِ العلميّ والاستزادة من العلم.
7- التضرع إلى الله وسؤالُه التسديد والعلمَ النافع والعمل الصالح، فالتوفيق من الله وحده، والموفَّق مَن وفّقه الله. وعلى الخطيب أن يقوِّيَ صلته بالله، وأن يُكثر من التضرّع إلى ربّه ويُحسن التوكّل عليه وتفويض الأمر إليه. وليعلم الخطيبُ أنّ إقباله على الخطبة لا يقلّ شأنًا ولا خطورة عن إقباله على أيّ أمر هامّ وصَعب، لا يُقبل عليه إلاّ بعد الاستخارة والانطراح بين يدي الله والدّعاء بالتيسير والتسهيل والتّوفيق.

-------------------------------

المنبر: يسلك بعض الخطباء في ذلك مسلكًا تعاونيًّا، وهو أن يشترك مجموعة من الخطباء ثلاثة أو أربعة أو أكثر، فيتناوبون على مساجدهم، فصير الخطيب يخطب خطبة واحدةً يلقيها في عدد من المساجد، فما رأيكم في هذا؟ وما إيجابياته؟ وما سلبياته؟

الشيخ: هذه الطريقة لها سلبيات ولها إيجابيات، فمن سلبيّاتها:
1- أن يألفَ الخطيبُ الكسلَ؛ حيث يحضِّر خطبةً واحدة يدور بها على عِدّة مساجد، فيرتاح من عناء التحضير مدّة طويلة.
2- أنها قد تجعل الخطيبَ بعيدًا عن واقع الناس ومعايَشَة الأحداث والوقائع والتفكير في الحلول لمشاكلهم المستجِدّة والنوازل المتجدّدة، فينسيه الموضوع الجاهز ويغفل بسببه عن القضايا الهامّة والأمور المستجِدّة والمناسبات الشرعيّة.
وإذا انتفت هذه السلبيّات واستطاع الخطيب أن يتجاوَزها ويتجنّبها فأرى أنّ إعادة خطبةٍ بهذه الطريقة سائغ بل ربما يكون فيها فوائد وثمرات منها:
1- دفع الفتور والملَل عن نفس الخطيب بسببِ تغييره للمَسجد.
2- ترسيخ موضوع الخطبة ونشره وتوسيع دائرته في عدّة مساجد؛ مما يثمر الوحدةَ الفكريّة وقوة التأثير واتساعَ رقعة الدعوة وكثرة المستفيدين من الموضوع الذي ألقاه الخطيب، وبالخصوص إذا كان الموضوع هامًّا مؤثرًا.

-------------------------------

المنبر: من الخطباء من يكرّر خطبَه بين الفينة والأخرى، فهل في ذلك بأس؟

الشيخ: إن الخطيب الذي يكرِّر خطبته لا بدّ له في نظري أن يراعيَ بعضَ الأمور:
1- أن لا يكون عن عجزٍ وتقصير في تحضير خطبةٍ جديدة، وإنما يرى أهمّيّتها وضرورةَ إعادتها.
2- أن لا يكرِّر الخطبةَ بحذافيرها، بل يدخِل على خطبتِه تغييرات في الأسلوب والأدلّة وطريقة طرحِ الموضوع حتى يظنّ السامع أنها خطبة جديدة؛ لأنّ الخطيب المجدّ هو الذي يستفيد من خطبته أكثر من استفادةِ المستمع منها من عدة أوجه، ومن هذه الأوجه توسيع فكرة الخطبة وإضافة عناصر جديدة لها، وربما إنشاء عدة خطب من الخطبة نفسها، وهذا في الغالب يكون بعد إلقائها؛ حيث تتوارد الأفكار على الخطيب وتتّسع، أو أثناء التحضير. فلا بد للخطيب إذا اضطر لإعادة الخطبة أن يراعيَ هذه الأمور، وإلا فإعادة الخطبة يعتبر عيبًا من عيوب الخطابة ويجلِب السآمة للمستمع ويُتّهَم الخطيب بسببها بالعجز والتقصير، والله تعالى أعلم.

-------------------------------

المنبر: بحكم تجربتكم في الخطابة بحيث قضيتم فيها 23 سنة، متى يتمّ اختياركم للموضوع الذي تخطبون فيه في الجمعة القادمة؟ وعلى أيّ أساس يتمّ هذا الاختيار؟

الشيخ: نعم، الحمد لله الذي وفقني لهذه الوظيفة والمهمّة الجليلة التي قضيتُ فيها أكثرَ من عشرين عامًا. وبعد فضل الله لا أنسى فضل والدي ـ رحمه الله ـ عليَّ الذي دفعني إلى المنبرِ ورعاني رعايةً خاصّة قبل أن أكونَ خطيبًا، ثم وجّهني ونصحني وأرشدني وصحّح أخطائي وبيّن لي الخلَلَ ونبّهني إلى الزّلَل بعدَ أن صِرتُ خطيبًا، فجزاه الله عني خيرًا.
وإني أنبّه أن طولَ التجربَةِ ليست كافيَةً لنجاح الخطيب، وليست بِطاقةً بيضاء خالِيَة من الأكدار، وليسَت شهادةَ عصمة مِن الأخطاء والتقصير. إنّ طول التجربة نعمةٌ من الله يجِب شكرها وصرفُها في الخير والنّفع والإفادة، ولا يجوز اتِّخاذها شعارًا يتفاخَر به الخطيب ويدفعُه إلى العُجب والغرور واحتقار غيرِه من الخطباء. ورغم تجربتي الطويلة في الخطابة فما زِلت أعتبر نفسي تلميذًا صغيرًا، أستفيد من كلّ خطيب مهما كانت تجرِبته، فإن الله يؤتي الحكمة من يشاء.
وأمّا عن سؤالكم فيتمّ اختياري للموضوع بعدّة طرق حسب ما يقتضِيه برنامج الخُطَب عندي، فإن كان الموضوع مستقلاً ـ أي: ليس مدرجًا في سلسلة خطب ـ يكون اختياره والتفكير فيه إمّا بعد انتهائي من الخطبة؛ حيث تظهر لي أثناءَ الإلقاء أو بعدَه في الغالب مواضيعُ جديدة أرى أنها في حاجةٍ إلى معالجة وتذكير الناس بها. فبعد إلقائي للخطبة أُسرِع لتدوين الفكرة ثم أعيش معها أسبوعًا كاملاً أنمّيها وأحضِّر ما تحتاجه من الأدلّة والأسلوب والألفاظ والعناصر الأساسية للخطبة.
وقد يتم اختياري للموضوع أثناء أيام الأسبوع بعدما أكون خَلِيًّا من أي موضوع، فيظهر لي الموضوع المناسب بتوفيق الله.
وإذا كان برنامج الخطب عبارةً عن سلسلةٍ مترابطة فالأمر سهلٌ؛ حيث أرتب المواضيع لعدة أسابيع حسب ما تقتضيه السلسلة المقتَرَحة.
وقد يتمّ اختياري للموضوع بإشارَة خطيبٍ آخر أو نصيحته.
وأما عن الأساس الذي يتمّ عليه الاختيار فالخطيب مثلُ الطبيب يختار من الأدوية أكثرَها نفعًا وأقلَّها ضررًا وأسرَعَها تأثيرًا، فلا بدّ مِن الدّقّة والعناية الكبيرة في الاختيار. وحُسنُ اختيار الموضوع وطريقةُ طرحه هو النعمة التي ينعِم الله بها على الخطيب، وهو التوفيق الربانيّ له، فعلى الخطيب أن يستمدّ هذا التوفيق من ربّه بالدعاء والتضرّع والانكسار بين يديه عز وجل وإظهار الحاجة والفَقر إلى توفيقه جل وعلا.
وبعد توفيق الله يتمّ الاختيار على أساس همّةِ الخطيب وفِطنَتِه وما يحمِله في قلبه من الاهتمام بأحوالِ المسلمين والتفكير في إصلاحهم وهدايتهم ونشر الخيرِ فيهم، كما كان نبيّنا صلى الله عليه وسلم يحمل همًّا كبيرًا وعبئًا ثقيلاً بل يحزن لضلال الناس وانحرافهم حتى نزلت الآيات بذلك حيث قال له الله عزّ وجل: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} [فاطر: 8]، وقال: {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ} [القصص: 56]، وقال: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا} [الكهف: 6]. فاختيار الموضوع يتمّ على هذا الأساس الهامّ، وهو همّة الخطيب واهتمامه.
ويتم أيضًا اختياري على أساسِ خَبرٍ من الأخبار أو حادِثة أو نازلة أو قضيّة يَرَى الخطيب ضرورةَ معالجتها وكشف أمرها وتوجيهها الوِجهة الشرعية، أو بسبب انتشار بدعةٍ مِن البدع أو شبهة أو بعضِ المظاهر المنافِيَة للشّرع من الأخلاق السيّئة والأعراف الباطلة، أو على أساسِ توعية النّاس ونشر العِلم النافع بينهم وتحبيب الخير إليهم وحثّهم على عمل صالح.
وجماع الأمر أنَّ الموضوع الذي يختاره الخطيب هو الموضوع المؤثِّر الذي يقع على الداءِ فيشفيه ويلامس الجرح فيعالجه ويقرع الآذان فيصير هاجسًا وصوتًا قويًا يلاحق المستمع ويستطيع من خلاله إقناع المستمع والتأثير عليه، ويختار الخطيب موضوعَه على أساس الحاجة والضرورة له.

-------------------------------

المنبر: ما أثرُ الحالة النفسية للخطيب في قدرته على تحديد الموضوع وحسن اختياره؟

الشيخ: إن الحالة النفسية للخطيب لها أثر كبير في نجاح الخطبة، ولها أثر على الموضوع سلبًا وإيجابًا، فالخطيب عليه أن يتأثر بموضوع خطبته وأن يلامس الموضوعُ شغافَ قلبه ويسيطر على وجدانه ويؤثّر على نفسه، وإذا خاطب به الناس خاطبهم من أعماقه صادقًا في مشاعره مستشعرًا أهمّيّتَه وضرورتَه، فيحصل التجاوب والتناغم بينه وبين الموضوع، فحالة الصدق والتجاوب عنصر أساسيّ من عناصر النجاح والتوفيق.
والعكس صحيح، فالخطيب الذي يحضِّر موضوعَه ويختاره ببرودة مِن بابِ سدّ الفراغ ولأجل الكلام فقط لا شكَ أن برودةَ التأثير تكون واضحةً جليّة عنده قبل غيره. وقد تؤثّر الحالة النفسية على الخطيب من جهة كونه يعاني من مشكلةٍ شخصيّة مع الناس أو فرد من الأفراد أو لجنةِ المسجد أو صراعات خاصّة، فتدفعه هذه الحالة إلى اختيار موضوع الخطبة للدفاع عن نفسه أو الهجوم على خصومِه، وهذا عيب من العيوب ومزلّة كبيرة للخطيب.
وعلى سبيل المثال نجد بعضَ الخطباء يخطب على آفاتِ اللسان والغيبة عندما يلمِزه بعضُ الناس أو يسمع كلمةَ سوء أُثيرت عنه، فتجد الخطيب لا يريد بخطبَتِه معالجةَ واقع فاسِد، وإنما يدافع عن نفسِه بحماسٍ منقطع النظير وتأثيرٍ وتأثُّرٍ كبيرَين.
وفي نظري أنَّ الخطيبَ عليه أن يجعَلَ مِن المنبر مكانًا لخدمة الإسلام والمسلمين عمومًا والمصلحة العامة، وأن لا يستغل المنبر لأغراضه الشخصية، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوذي صبر وكان يقول: ((لقد أوذي موسى بأكثر من هذا فصبر)).
وقد تؤثر الحالة النفسية للخطيب في سوء اختيار الموضوع بسبب الإرهاق والجهد؛ ولهذا فإني أنصح الخطيب إذا رأى من نفسه التعبَ والإرهاقَ أن يختارَ المواضيعَ السهلة التي تكون مادّتها تَطالها يدُه بيسر وسهولة، فيكون مثله مثل المريض لا يحمِل إلاّ ما يقدر عليه وما يطيقه.
وقد يُؤثّر على اختيار الموضوع ـ وربما حتى بعد الاختيار ـ سماعُ خَبر مزعج أو نحو ذلك، فيحصل للخطيب تشويشٌ على موضوعِه وتكدير لنفسِه؛ ولهذا فإني أنصح الخطيب أن لا يستقبِلَ الناس صباحَ الجمعة ولا يخرج إليهم ولا يسمع الأخبار أو يطالع الأحداث، ويبتعد عن كلّ المؤثرات حتى بين أهلِه وولده، وعليه أن يعتزلَ الناس صباحَ الجمعة كي يخرجَ للناس في هدوءٍ وسكينة وسمتٍ وخشوع. وقد كان والدي ـ رحمه الله ـ يقول لي: لو دَعَوْتُك صباحَ الجمعة لا تجِبني، وكان يمنع الناسَ من زيارتي، بل يوبِّخهم ويقول لي: على الخطيب صباحَ الجمعة أن لا يشوش ذِهنهُ.

-------------------------------

المنبر: كلمة أخيرة لإخوانكم الخطباء في شتى بقاع العالم.

الشيخ: كلمة أخيرة لإخواني الخطباء المرابطين على هذا الثغرِ الإسلاميّ الهامّ ألخصها في النقاط التالية:
1- أن يكونوا قدوة حسنة لغيرهم ومثالاً يحتذى به في المعاملة والأخلاق والسلوك والعمل بالعلم، فوالله إنّ الخطيب الذي لا يكون كذلك فهو غاشّ للأمّة مفسدٌ لدينها، فالكلمة المؤثّرة هي الكلمة التي نُفِخ فيها روح العَمَل والصِّدق، وإلاّ فهي كلمة ميتة وجُثّة هامدة وحُطام رخيص. الكلمة المؤثرة هي التي يصحَبها العمل، فما جدوى من يزهِّد الناس في الدنيا ويرغِّبهم في الآخرة وهو مفتونٌ بالدنيا حريص عليها غافل عن الآخرة؟!
2- أنصح الخطيبَ أن يكون مشفقًا رفيقًا بالأمة متواضعًا لخلق الله غيرَ مستكبر عليهم، يرَى نفسه واحدا منهم، يحتاج إلى الوعظِ والإرشاد والنصح كما يحتاجه غيرُه، وله في رسول الله الأسوة الحسنة حيث كان صلى الله عليه وسلم أكثرَ الناس صلاة وأكثرَهم استغفارًا وتوبة وهو من هو صلى الله عليه وسلم.
3- أنصح الخطباءَ أن لا يجعَلوا المنبرَ موضعًا لتصفية حساباتهم مع غيرهم، وأن لا يستغلّوا درجات المنبر للهجوم على الأشخاص أو لتحقيقِ مصالحهم الشخصية والدفاع عن أنفسِهم وطرح انشغالاتهم الخاصّة.
4- أنصح الخطباء بالتشاور والتناصح والتعاون، وخاصّة في اختيار المواضيع، وتواضعِ بعضهم لبعض.
5- أنصح الخطباء أن يعالجوا هموم الأمة ويطرحوا قضاياها الأساسية ومشاكلها الجوهرية.
6- أنصح الخطباء أن لا يتسرّعوا في الكلام على الأحداث والنوازل وخاصة في هذا العصر حيث نعيش الوقائع الكثيرة، فعليهم بالتريُّث والتشاور وبُعد النظر، ومن الخطأ أن يرى بعضُ الخطباء ضرورةَ الخَوضِ والحكم على الوقائِع بعد وقوعِها مباشَرةً ومعالجتها في خطبةِ الجمعة دون العِلم بحيثيَّاتها ومَعرفةِ أسبابها والأطراف المشارِكة فيها.
7- وختامًا أجدِّد شكري لموقعِ المنبر الذي أتاح لي هذه الفرصةَ القيّمة كي أشارك ولو بالقليل في التعاون والتناصح بين الخطباء وتقديم ما عندي من التجارب النافعة، علَّها تكون لي ذخرًا يوم القيامة. فإن أصبت فمن الله وحدَه، وإن أخطأتُ فمن نفسي ومن الشيطان، وأستغفر الله العظيم، والحمد لله رب العالمين.



Arrow Arrow Arrow Arrow Arrow
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://al-shikh-mohamed.alafdal.net
 
حول " الخطابة و مشكلة الرتابة "
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الشبل الصغير الشيخ " مؤمن أسامة " وخطبة بعنوان " أهوال القيامة "
» الشبل الصغير الشيخ " مؤمن أسامة " وخطبة بعنوان " وصف الجنة "
» دور الخطابة و الوعظ في تحصين المجتمع
» فضيلة الشيخ " أبو إسحاق الحوينى " وحديث عن فضيلة الشيخ " عبد الحميد كشك " قناة الناس الفضائية
» أثر الخطابة والوعظ فى تعزيز الأخلاق الكريمة وحماية المجتمع من الانحلال الخلقى

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: المنتديات الإسلامية :: المقالات الإسلامية-
انتقل الى: